الأربعاء، 28 مايو 2025

القراء البحرينيون يناقشون رواية: تمر الأصابع

 

القُراء البحرينيون يناقشون رواية: تمر الأصابع

خاص/المنامة: قام أعضاء مبادرة القرّاء البحرينيون بمناقشة رواية "تمر الأصابع" للكاتب محسن الرملي، وذلك ضمن برنامج قراءات مجموعة التحدي الأسبوعي التابعة للمبادرة. وجرت المناقشة في مساء يوم الأربعاء الموافق 28 مايو 2025 الساعة السابعة والنصف مساءً في مكتبة الأيام (الكشكول).

(تمر الأصابع) هي الرواية الثانية للكاتب، صدرت باللغة الإسبانية أولاً في مدريد سنة 2008 ثم صدرت طبعتها العربية الأولى سنة 2009، وقد ترشحت هذه الرواية ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) سنة 2010. ومؤلفها محسن الرملي كاتب وأكاديمي ومترجم وشاعر عراقي يقيم في إسبانيا.

فيديو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحفة أدبية متفردة تتغلغل في الإنسان

 

مراجعة: وصال الهاشمي

لطالما آمنت بالأدب كمرآة عاكسة للتجارب الإنسانية. يأتي الدكتور محسن الرملي ليعزز قناعتي ويقدم لنا تحفة أدبية متفردة لا تلاصق الإنسان فحسب، وإنما تتغلغل فيه بعقده وتضاداته وإنسانيته المُهانة في هذا العالم القاسي، أو كما يصفه نوح في الرواية "العالم الجايف".
نص مبدع واقعي لم يخترق فيه الكاتب التابوهات الثلاث، بل هي التي اخترقته كما يقول الكاتب... نعم هناك جرأة وصفية مستفزة ومنفرة اتوقف عندها وأهدد الدكتور بأنني لن أقيّم الرواية بأكثر من نجمتين.. ولكن كاتب بهذه الأدوات السردية العظيمة وهذه الامكانات الفنية المهولة سرعان ما يُراضيني بصفحات تلامس إنسانيتي، تلامس جروحي من أعماقها، تخاطب عروبتي وآلامها، وتخاطب تلك المتضادات في كل نفس، وإن كابرنا وتعلينا عليها وتصنعنا مثالية غير موجودة في واقع غير مثالي.
أبهرتني وأبكتني في الرواية ثلاث مشاهد لا يتقنها إلا كاتب مغرق في الموهبة:
1ـــ المواجهة والحوار والخلاف والتصالح بين الأب والابن، في تفاصيل ومشاعر غاية في الابداع.
2ـــ حوار الأب مع الجد في حالة الوفاة، وكأنه يحكي معاناة البشرية في محاولة تمثل الكمال والجلال في وسط عالم أبعد ما يكون عنه.

3ــ حالة الفقد التي تسكن الفاقد أبد الدهر.. تتلبسه مثل جني لا يغادره، ويظهر في أدق التفاصيل اليومية وتلقي به، دون تمهيد، إلى نقطة الفقد الأولى وجرحها الدامي... لم أجد كاتباً استطاع توصيف هذا الألم مسبقاً.
هذه هي قراءتي الأولى، وفي جعبتي الكثير لأدلو به في عظمة هذه الرواية المجاورة للإنسانية.. البعيدة كل البعد عن مثالية لا واقعية.. ولدي رغبة باقتناء كل كتب الرملي في هذه اللحظة.
سأكتفي باقتباسين بثقل الذهب:
*
إن وطننا الحقيقي هو الذي نصوغه بأنفسنا كما نريد. الوطن مثل الحب يكون اِختياراً وليس فَرضاً.
*
أوقِف صعودك وتعاليك وخفف قليلاً من ثقل كرامتك، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا. لن تصلح العالم وحدك، لن يكون العالم كما تريد ولا كما يريد أي أحد، كف عن تعاليك على ضعفنا فنحن بشر وجثثنا تتعفن. اِرحم ضعفنا وواقعيتنا وأخطائنا.. أبي، بالنسبة لي، أنت إله أو ممثل الرب في الأرض أمامي.. لكنني بشر محكوم بمحدوديتي، والبشر يتمردون على آلهتهم في لحظات ضعف أو في لحظات قوة.. أبي إنني أختنق بقيودك وأضيق ذرعا بأوامرك ونواهيك. إن روحي تقوى بالتزامها بك، لكنها تتوق للتنفس بعيدًا عن رقابتك.. أبي إني أُحبك بشكل يفوق محبتي لنفسي أحيانًا، لكنني في أحيان أخرى أتمنى عدم وجودك.

https://www.instagram.com/p/DKM5o0JMNUx/?hl=es

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

رواية مؤثرة عن المهجر

مراجعة: نبأ العلوي

كيف يمكن لكتابٍ من ١٧٣ صفحة أن يكون قادراً على التأثير فيَّ لدرجة انهمار الدموع من عيني أمام الملأ؟ هذا ما فعلته (تمر الأصابع) بي.
رواية عن المهجر، عن واقع العراقيين والعرب الذين اختاروا الاغتراب والمهجر هروباً من واقع بلدانهم الأليم. هي قصة نوح وسليم، وعائلتهم الكبيرة التي ما هي إلا رواية كل عربي هجر وطنه، يمتزج فيها ألم الغربة بتشتت الهوية، مع تأثير الأنظمة الفاسدة، والحروب، تاركة ندوباً في ذاكرة القلب لا تُشفى أبداً.
رواية تحكي بين المتضادات، الشرق والغرب، الخير والشر، الدين والمعتقدات (الموروث)، الواقع والحلم، الألم والأمل، الحرب والسلام، الوطن والمهجر، ما يريده الفرد مقارنة بما يريده المجتمع.
رواية تحكي عن علاقة الأهل ببعضهم. عن حمل هدف العائلة الأسمى، عن تحولنا دون أن نشعر إلى آبائنا، أو أن نحمل جزءاً منهم في داخلنا.
أكثر ما أعجبني وأثر بي واستحوذ على جزء من تساؤلاتي هو: كيف يمكن أن تكون تركيبتنا البشرية قائمة على شخصيات أخرى في الحياة، وإلى أي مدى نحمل نحن كأفراد أجزاء من شخصيات آبائنا وأجدادنا؟ هل ورثناها منهم أم أنها جاءت بحكم القرابة، نحملها في جيناتنا وتظهر في العلن ويدركها غيرتا دون أن ندرك نحن ذلك؟
رواية مؤثرة ومميزة، قراءتي الأولى لمحسن الرملي وحتماً لن تكون الأخيرة.
اقتباسات من الرواية:

*إن وطننا الحقيقي هو الذي نصوغه نحن بأنفسنا كما نريد.. لا كما صاغه غيرنا، كما فعل الطاغية.. إنه على هذا النحو ليس الوطن الذي نريده.. ولهذا هجرناه. الوطن مثل الحب يكون اختياراً وليس فرضاً.
*انتابني التفكير بأننا نحن الثلاثة نتشابه في أشياء كثيرة، ربما نحن في الأصل شخص واحد تعدد في أكثر من جسد وجيل، لكننا نختلف عن بعضنا في الكثير أيضاً! فهل هو نوع من محاولات الطبيعة البشرية للتكامل؟

https://www.instagram.com/p/DKM7ullsz6F/?hl=es 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تمر الأصابع تجربة وجودية بلغة متينة

مراجعة: Fikri123

في "تمر الأصابع"، يبرهن محسن الرملي مرة أخرى على أنه أحد أكثر الأصوات العراقية والعربية قدرة على التقاط نبض الإنسان الممزق بين جغرافيا الوطن وخرائط المنفى، بين ذاكرة الطفولة وقلق الحاضر، بين صراخ الجسد وهمس الروح.

هذه الرواية ليست مجرد نص سردي، بل هي تجربة وجودية مكتوبة بلغة متينة، آسرة، وذات قدرة استثنائية على النفاذ إلى أعماق النفس البشرية.

عمق البناء الروائي وتعدد الأصوات

يستند الرملي في بنائه الروائي إلى تعدد الأصوات وتداخل الأزمنة، فيجعل من الحكاية نسيجاً مركباً من الذكريات، الاعترافات، والأحلام المجهضة. تتداخل حكايات ثلاثة أجيال، ويتقاطع مصير الأب نوح مع الابن سليم، ليشكلا معاً مرآة تعكس مأساة العراق الحديث، وتراجيديا الإنسان العربي في زمن الانكسارات.
لا يكتفي الرملي بالسرد الخطي، بل يشتبك مع الزمن، فيتنقل بين الماضي والحاضر، بين بغداد ومدريد، بين القرية والمدينة، ليخلق فضاء روائياً نابضاً بالحركة والاضطراب.

اللغة: بين الشعرية والواقعية

لغة الرملي في "تمر الأصابع" متينة، مشحونة بطاقة شعرية عالية، لكنها في الوقت ذاته واقعية، دقيقة، لا تستسلم للإطناب ولا للزخرفة المجانية. هو يكتب بوعي الشاعر وصرامة الروائي، فيمنح كل مشهد، مهما كان عابراً، بعداً رمزياً أو دلالة عميقة.

تتجلى براعة الرملي في قدرته على رسم التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق: رائحة الخبز في بيت الطفولة، ارتجافة يد الأب، طيف الحنين الذي يلاحق البطل في شوارع مدريد، أو حتى المفارقات الساخرة التي تكشف هشاشة الإنسان وسط صخب العالم.

الثنائيات والتناقضات: صراع لا ينتهي

من أبرز ما يميز الرواية هو قدرتها على تعرية التناقضات التي تحكم حياة الإنسان: الشرق والغرب، الماضي والحاضر، الجسد والروح، المقدس والمدنس، العدل والظلم. لا يقع الرملي في فخ التبسيط أو الانحياز، بل يمنح كل طرف من هذه الثنائيات حقه من العمق والجدل.

شخصياته ليست أحادية، بل معقدة، متحولة، تحمل في داخلها بذور التمرد والخضوع معاً. الأب نوح، مثلاً، هو رجل يحمل في قلبه اثنين: واحد يحن إلى ماضيه، وآخر يتأقلم مع واقعه الجديد، دون أن يتخلى عن أي منهما.

هذه التناقضات ليست مجرد زينة فكرية، بل هي جوهر التجربة الإنسانية في الرواية، وهي ما يمنح النص صدقه وقوته.

الرمزية والبعد الإنساني

يمتلك الرملي قدرة لافتة على تحويل التفاصيل اليومية إلى رموز كبرى، وعلى جعل الجسد مرآة للروح، والغربة مرادفاً للبحث عن الذات. حتى المشاهد الإيحائية، التي قد تثير الجدل، لا تأتي في سياق مبتذل أو استعراضي، بل تحمل شحنة نفسية وروحية، وتكشف عن هشاشة الإنسان في مواجهة رغباته وحنينه وأزماته.

نقد الواقع بلا مراوغة

لا يهادن الرملي الواقع، بل يواجهه بسخرية مرة حيناً، وبحزن شفيف حيناً آخر. يسخر من جهل القرية كما يسخر من زيف المدينة، ويعرّي تناقضات المجتمعين دون أن يقع في فخ التعميم أو الكليشيه.
هو يكتب عن العراق لا بوصفه جغرافيا فقط، بل بوصفه جرحاً مفتوحاً في الذاكرة، ووطناً يتشكل في المنفى كما في الحلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إشكالية الوطن في تمر الأصابع

مراجعة: ياسمين الطيف

"لا أريد وطناً.. لست بحاجة إلى أي وطن.."

لا تحمل الأوطان وكما قيل في الرواية إلا الوجع، وإلى متى؟

لذلك رأى بطل الرواية الوطن كما في هذا الاقتباس قال: "إن وطننا الحقيقي هو الذي نصوغه نحن بأنفسنا كما نريد.. لا كما صاغه غيرنا، كما فعل الطاغية.. إنه على هذا النحو ليس الوطن الذي نريده.. ولهذا هجرناه. الوطن مثل الحب يكون اختياراً وليس فرضاً"

ونجد أبطال الرواية بالأجيال الثلاثة صاغت لها وطن كلًا بطريقته، فالشيخ مطلق الجد أخذ وطنه بالتمسك وكان لابد للتمر أن يتواجد في منزله فالتمر من النخيل الذي يمتاز في العراق ويحتل مكانة كبيرة منذ الأزل هناك وهو رمزٌ للحياة والخصوبة والاستقرار. بينما كان نوح الأب يجد في التمر حل لمشكلة كبيرة في حياته، ونجد سليم الابن يجد في التمر غذاء وقوة له بأكله في وجباته ويتلذذ بكل تواجد للتمر.

فتمسك الجد بالوطن، بينما ضاع من يد نوح ويحاول إيجاده كما هرب طوفان نوح البلد التي كان يعيش فيها، ويحاول سليم العودة بكل حنينه إلى وطن سليم كاسمه.

لو نظرنا إلى هذه الرواية من زاوية عراقية لعرفت إبداع الرملي فيها، ببداية قوية يصف فيها الوطن العراقي بسلطة طاغية ومستبدة وشعب لا ينكسر ويتمسك بكرامته وأصله، ولا يجده في وطنه فيغترب كحال الكثيرين فنعيش الغربة في إيجاد الهوية والحنين إلى الوطن مع كل مغترب، وفي النهاية المبدعة نجد الشعب العراقي المنقسم بين نوح الذي يواصل ويناضل بكل قواه حتى يثأر ويتمسك بموروثات من أيام أجداده، وسليم وفاطمة في كسر حاجز الأوطان فيتزوج العراقي من المغربية والعيش حياة هادئة تحاول التمسك بدينها الأصلي والأمل في وطن صالح وشعب يتخلى من موروثات لا تقدم ولا تفيد بل قد تضيع الفرد.

وبعيدًا عن كل هذا كانت هناك العلاقات الأسرية وجدت الأم هي الوطن وعلاقتها بالزوج أو الابن هي كالوطن الحاني الذي يحاول إلمام الجميع ويتشوق لعودته. والأخت إستبرق مع سليم علاقة جميلة سطرها لنا في أروع وأفضل صورة من خلال مخبأ الأسرار، وكما احتفاظ إستبرق بصورة سليم كالبطل الذي تنتظر منه الجميل والعيش الهانئ.

https://www.instagram.com/p/DKR1fOSsSgp/?hl=es

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثلاثاء، 27 مايو 2025

فحوصات ثقافية/ شجون الفن التشكيلي/ د. محسن الرملي

 

فحوصات ثقافية

شُجون جَد الفُنون

بقلم: الدكتور محسن الرملي

بعد عشرة أعوام من آخر لقاء لي، مع صديقة رسامة أرجنتينية في مدريد، وجدتها تشتكي، أيضاً، من تزايد هموم الفن التشكيلي.

في عالم الثقافة والفنون اليوم، إذا كنا نتحدث عن مُشكلات الأدب كثيراً، فإن مشاكل الفن التشكيلي أكثر، وإذا كانت الأعمال الأدبية ما زالت تحظى ببعض المعايير، حتى من قِبل المتلقي البسيط، فإنها في الفن التشكيلي قد تبدَّدت تماماً، وإذا كان الأديب لا يحتاج سوى إلى قلم وورقة أو حاسوب، فالرسام يحتاج إلى أدوات ومواد كثيرة، كلها غالية الثمن. الكاتب يستطيع الكتابة في أي مكان، في المكتب والمقهى والطائرة والقطار وغرفة النوم، أما الرسام فلا، ولم تعُد البيوت الصغيرة صالحة لممارسة عمله بكل أدواته، بأحجامها وروائحها ولُطَخ الألوان، يحتاج إلى استوديو مُستقل، والنقل معضلة أخرى، ففي الوقت الذي يمكن للأديب نقل نصه من مكان إلى آخر، عبر البريد الإلكتروني، دون أن يكلفه ذلك مالاً أو وقتاً، ولا يقلل من جودة النص، فإن نقل لوحة من بلد إلى آخر يحتاج إلى إجراءات كثيرة ومبالغ طائلة، فكيف بنقل معرض كامل من خمسين لوحة! عدا صعوبة إيجاد صالة جيدة أو غاليري للعرض، وإذا تم العرض، فالجمهور قليل والبيع أقل. إن منظر الرسام وحيداً بين لوحات معرضه بانتظار أي زائر.. يُثير الأسى.

يحز في نفوس الفنانين سوء توزيع فنهم، للوصول إلى الجمهور، وفي سوق الفن ثمة أيدي غامضة، تتلاعب بالشُهرة والأسعار، فترفع من شأن صندوق فارغ ليصل سعره إلى أربعين ألف دولار، وموزة مُعلّقة بشريط لاصق على جدار لتُباع بستة ملايين دولار، ولوحة بيضاء تماماً لروبرت رايمان بعشرين مليون دولار، بينما لوحة زيتيّة يبذل فيها الفنان ستة أشهر من العمل، لا يجد من يشتريها بألف دولار... ليس ثمة منطق أو مبرر للأسعار في سوق الفن الحالي، حيث تصبح "شهرة" الفنان أكثر أهمية من أي نوع من المعايير. ونحن الذين أحببنا الفن، كتعبير عن براعة وذكاء الإنسان، عن قدرته على التعبير وارتياده لآفاق جديدة في الرؤى والأفكار والجمال، ما الذي تقدمه لنا رؤية صندوق فارغ أو موزة على حائط أو صفحة بيضاء؟ بصراحة: لا شيء.

ثمة غياب لتيارات بارزة مُقنِعة، وشعور بأن الأمور ليست واضحة، مع مخاوف من إلغاء حضور هذا الفن، ولا سيما مع دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، فالمؤسسات والفنادق والبنوك والبيوت التي كانت تقتني لوحات حقيقية، راحت تلجأ إلى تصميمها في الذكاء الاصطناعي بكل سهولة ورخص.

يكفي أن تلتقي بأي رسام، ليعرض عليك المزيد من مشاكله، ومن النادر أن تجد أحدهم يستطيع العيش من فنه... لذا؛ يحتاج الأمر إلى وقفة جادة من قبل المؤسسات والفنانين أنفسهم، إلى مؤتمرات وطروحات جديدة تُنقذ هذا الفن العريق الذي رافق الإنسان منذ شخبطته الأولى في الكهوف، فإذا كان المسرح يُسمى "أبو الفنون" فالرسم جَدّها، لأنه أول فن مارسه الإنسان، وهو أول نشاط فني يبدأ به الطفل، وعلينا إعادة الاهتمام به منذ الطفولة، عِبر التعليم، في كل المراحل، بالتثقيف، ولو بأساسياته وتذوقه، لخلق أجيال وجمهور يُقدِّر أهميته وجمالياته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (كتاب)، العدد 80 يونيو 2025م الشارقة

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_7e8281f13e244fc4b17ad3bf55229c.pdf

الاثنين، 26 مايو 2025

النساء والحروب. ذئبة الحب والكتب/ سيماف خالد

 

النساء والحروب

قراءة في رواية "ذئبة الحب والكتب" لمحسن الرملي 

سيماف خالد محمد

رواية "ذئبة الحب والكتب" للكاتب العراقي محسن الرملي، صدرت عن دار المدى عام 2016، وتعد من أبرز أعماله الأدبية التي تقارب التجربة العراقية من زاوية إنسانية وجمالية عميقة.

تمزج الرواية بين دفء البوح ومرارة الواقع، وتنسج من خيوط الحب والحرب والكتب رسائل تعكس الأوجاع الداخلية وتلامس القلوب.

تبدأ الرواية عندما يكتشف بطلها، بالصدفة، بريداً إلكترونياً كان مخصصاً لأخيه الذي أُعدم على يد النظام السابق، لكنْ عند إدخاله كلمة السر بشكل خاطئ، يجد نفسه أمام عدد كبير من الرسائل التي كتبتها امرأة تدعى "هيام".

هيام، المرأة العاشقة للكتب والحب، تجد نفسها في زواج لا يشبهها، ولا يمتّ بِصِلة لعالمها الداخلي المفعم بالشغف والأسئلة.

هيام: امرأة لا تقبل الواقع

هيام ليست مجرد شخصية روائية، بل هي تجسيد لصوت الكثير من النساء اللاتي دمرتهن الحروب والتقاليد، هي امرأة اختارت المقاومة من خلال القراءة والكتابة، عبر علاقات تمنحها شعوراً مؤقتاً بالحرية والانتماء.

تتجاوز الروايةُ الحديثَ عن الحب فحسبُ، فهي تتناول موضوعاتٍ كثيرةً مثل المنفى، الفقد، الهُوِيَّة، والكتابة كملاذ أخير في عالم مليء بالظلام.

الكتب: شريك أساسي في حياة هيام

في الرواية، لا تمثل الكتب مجرد وسيلة للثقافة فحسبُ، بل هي شريك أساسيٌّ في حياة هيام "الذئبة" التي تفترس الكتب بحثاً عن ذاتها، وتكتب كي لا تختنق في واقع لا يشبهها.

هذا البحث عن الهُوِيَّة عَبْرَ الكتب يُظهر كيف أن الكتابة قد تكون الوسيلة الوحيدة للنجاة في عالم مليء بالتحديات والمآسي.

محسن الرملي: إبداع في إيصال صوت المرأة

يبدع محسن الرملي في تقديم صوت المرأة في روايته بطريقة مدهشة، فهو يكتب بأسلوب شفاف وصادق، يجمع بين الحسّية والتأمل، مما يجعل القارئ يشعر كأنه يقرأ اعترافاً حياً لا مجرد خيال، وهو بذلك يسلط الضوء على صراع المرأة العراقية مع الحرب والتقاليد، في سعي دائم نحو الحرية.

الرواية في سياق الوطن

رواية "ذئبة الحب والكتب" لا تتعلق بالمرأة وحدَها، بل هي أيضاً انعكاس لوطنٍ كامل (العراق) الذي خسر الكثير بسبب الحروب والظروف السياسية والاجتماعية، ومع ذلك يظل العراق يحاول النجاة من خلال اللغة، الحب، والذاكرة.

هذه الرواية تمثل أكثر من مجرد حكاية شخصية، إنها صورة لمجموعة من الأرواح التي تبحث عن الأمل وسط الظلام.

الخلاصة

رواية "ذئبة الحب والكتب" لا تقتصر على كونها روايةً عن امرأة في صراعها مع التقاليد والحرب، بل هي أيضاً دراسة في الهُوِيَّة والحرية.

ومن خلال شخصياتها القوية والأسلوب الأدبي العميق المُحْكَم، تجسّد الروايةُ معاناةَ شعبٍ بأسره في زمن مضطرب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في موقع (ولاتي مه) بتاريخ 26 مايو 2025م

https://cand.welateme.net/150304-2/

الأربعاء، 30 أبريل 2025

عن ترجمة الرملي لدواوين إسبانية/ محمد الحمامصي


"لا شيء يكفي" ثلاثة دواوين

تمثل التوجهات الشعرية اليوم في إسبانيا

شاعرتان وشاعر يقدمون نصوصا تشتبك مع الواقع المعاصر

 

محمد الحمامصي

قد نال الأدب الإسباني الحديث نصيبه من الترجمة إلى اللغة العربية، خاصة ما كتب في القرنين التاسع عشر والعشرين، لكن الأدب المعاصر الذي يكتب بروح العصر اليوم ما زال غامضا للقارئ العربي، وفي هذا الصدد يأتي كتاب "لا شيء يكفي" ليقدم قصائد ثلاثة شعراء إسبان معاصرين.

يضم كتاب “لا شيء يكفي” ثلاثة دواوين شعرية قصيرة، لثلاثة شعراء إسبان أحياء. خوليا أسود، بغونيا بوثو، خوان ماسانا.

شاعرتان وشاعر، ترجمها الشاعر والأكاديمي والمترجم العراقي ــ الإسباني محسن الرملي، لافتا إلى أنهم من خلفيات ثقافية وجغرافية ولغوية مختلفة، وبالتالي فإن تجاربهم الشعرية مختلفة، وهي بتباينها هذا، تعطي تصورا عن بعض نماذج التوجهات الشعرية اليوم في إسبانيا، غير تلك التي عرفناها وترجمت على مدى قرن من الزمان، كغارثيا لوركا ورافائيل ألبرتي وميغيل إيرنانديث وخيمينيث وأليكساندره وغيرهم. 

شاعرتان وعالمان

في مدخل عام للكتاب، الذي يعد أول إصدار لدار بوملحه الإماراتية التي أسسها أخيرا الروائي عبيد بوملحه، وآثر أن يفتتح بهذه الباقة الشعرية سلسلة إصداراته، رأى الرملي أن ما يمكن ملاحظته بجلاء في الدواوين الثلاثة، هو الحرص على التكثيف، والانفتاح المتفاعل، شكلا ومضمونا، على التجارب الشعرية الأخرى في العالم، بما فيها العربية، وطبيعة هضم ما يتم استقباله وتلقيه، بحيث يتبلور بسلاسة داخل المنظومة والذهنية الشعرية الإسبانية، المعروفة بعراقتها وثراء إرثها.

وأوضح “عرفت هؤلاء الشعراء منذ سنوات طويلة، تربطني بهم صداقة متينة، وجمعتني بهم ميادين عمل مشتركة، ومشاريع وأنشطة ثقافية ومناسبات عديدة، وما زلنا على تواصل، لذا فأنا أعرف، عن قرب، أبعاد تجاربهم الشعرية جيدا، وعن قرب أيضا، وباستشارتهم، قمت بهذه الترجمة لدواوينهم، فكانت ترجمتها متعة أخرى تضاف إلى متعة قراءتها أولا، كمخطوطة، مسودة، ثم منشورة، ثم الاستماع إليها منهم لاحقا، شخصيا أو أثناء مناسبات تقديمها وتوقيعها.”

واستكمالا للمدخل الأولي العام، قام الرملي بتقديم كل ديوان، بنبذة تعرّف بالشاعر وبعمله، تسبق ترجمته.. وكانت البداية من الشاعرة آنا خوليا غونثاليث، أسود وديوانها “صلاح نيازي وأغنيات للشعوب التي بلا حمام”. قال الرملي معرفا بالشاعرة “ولدت في إقليم دي لامانتشا سنة 1975 في الباثيته وهي مدينة تأسست في عصر الموحدين، وأصل اسمها العربي هو البسيطة أو البسيط، لكونها تقع في سهل منبسط. تضيف الشاعرة دائما إلى اسمها الأصلي، كلمة أو تسمية أو لقب أسود، حتى صارت تعرف به، وتقول إنها قد اتخذته، وباللفظ العربي، كنوع من اعترافها واعتزازها بأصلها وبجذورها الثقافية العربية.”

وتابع “بدأت نشر قصائدها مبكرا في الصحف والمجلات، وحازت على بعض الجوائز الأدبية المحلية. من أعمالها: كلمات بلا آفاق، كوكب القمر، حدائق الزمن، خمسة أفواه.. وغيرها، إضافة إلى اشتراكها في أكثر من أنطولوجيا.”

وبيّن الرملي أن هذا الديوان القصير والخاص “صلاح نيازي وأغنيات للشعوب التي بلا حمام” يضم تسع قصائد، لها تقنيتها الخاصة ومناخها الواحد، وهو ديوان يتحدث عن السلام ويدين الحرب، بدأت بكتابته عندما اجتاحت القوات الأجنبية العراق عام 2003، وهي كما تصف، من خلال الحديث معها عنه، أرادت من خلاله أن تضم صرختها إلى صيحات المحتجين على الحرب، وأن تساهم، بشكل ما، في المزيد من إيصال أصوات الشعراء العراقيين إلى ما وراء الحدود، والتي كانت، لحظتها، محجوبة بفعل صخب الإعلام والقنابل وضجيج الحرب، وهكذا فقد اتخذت من الشاعر صلاح نيازي نموذجا وممثلا عنهم، وفي الوقت نفسه كنوع من التكريم له والاحتفاء به، كونها من المعجبين بشعره.

جعلت أسود من نيازي الشخصية الرئيسية للنصوص، وعنونت الديوان باسمه، إضافة إلى تبنيها لعبارة “عندما تبدأ الحرب، فإن أول من يهجر المدينة هو الحمام”، التي كانت قد سمعتها في مكان ما. ولهذا فإننا نجد في الديوان أن الشاعر يتأمل شعبه الذي أصبح بلا حمام.. فيتحسر، ولكن في القصيدة الأخيرة، ثمة باب مفتوح على الأمل؛ بأن الشعب، ومهما تأخر الوقت، فإنه، ذات يوم، سوف ينال السلام والعيش الكريم الذي يستحقه.

وتقول الشاعرة آنا خوليا أسود عن ديوانها هذا “إن الشعر ملزم بأن ينظر إلى الألم والمعاناة وجها لوجه، أن يصرخ باسم ضحايا الوحشية، أن يأخذ بأيدي الذين يعانون، ويمنحهم الصوت الذي يحاول الآخرون منعه عنهم، وأن يثور ضد الجلاد بلا هوادة. إن الشعر ملزم بأن يتكلم ويرفع الصوت أعلى من أي صخب آخر، وأن يواسي ويهدئ أيضا، داعيا للسلام، مطالبا به دائما، لا يهجر إصراره هذا على المطالبة بالسلام، ولا يدير ظهره للناس أبدا، لأن الشعر عائد للناس، ينتمي إليهم، وهو من حقهم، تماما كحقهم بالحياة وبالحرية.”

وفي مقدمته لديوان الشاعرة بغونيا بوثو “نوبونكه.. (فقرات من روما)”، قال الرملي “أعرف الشاعرة والأكاديمية بغونيا بوثو منذ أكثر من عشرة أعوام، وتربطني بها صداقة متينة. اشتركنا في أنشطة عديدة، منها كشعراء وكأعضاء في الهيئة الوطنية لمهرجان طليطلة الدولي للشعر، واستضافتني ضمن برنامج ‘قاعة الشعر’ في جامعة بلنسية، وفي بيتها، واشتركنا في ترجمات بين اللغات الثلاث الإسبانية والعربية والكتالانية، ونتبادل دائما الاتصالات والمراسلات والاستشارات والزيارات بين مدريد وبلنسية.”

وذكر أن  ديوانها هذا “نوبونكه.. فقرات من روما” قد نشر بصيغ مختلفة، أبرزها؛ نشره في كتاب واحد بترجماته إلى ثلاثين لغة، مرفقة بتخطيطات تفصل بينها، استوحتها الفنانة آغنيس داروكا من مناخات الديوان، ويضم ثلاثين قصيدة مكثفة تتوخى الشعر الصافي أو لبة الشعر.

وأوضح أن بغونيا بوثو تكتب بثلاث لغات، هي الإسبانية والإيطالية والكتالانية، التي تعد فيها من أبرز الأصوات الشعرية الآن، وهي من المؤسسين لجائزة ثيسار سيمون، التي تمنح سنويا لأفضل ديوان مكتوب بالكتالانية، كما تشرف على جوائز أخرى تخص الشعر الذي تكتبه النساء والترجمات وغيرها. أسست “قاعة الشعر” في جامعة بلنسية، تستضف فيها، شهريا، أحد الشعراء من مختلف أنحاء العالم، إلى جانب كونها عضوا في العديد من هيئات تنظيم المهرجانات الشعرية في إيطاليا وإسبانيا، ومشاركة في العديد من المؤتمرات الأكاديمية التي تخص الأدب واللغة.

ولدت بغونيا بوثو في بلنسية عام 1974، وتحصلت على دكتوراه في فقه اللغة، وتعمل أستاذة ورئيسة قسم اللغة والآداب الإيطالية في جامعة بلنسية منذ عام 1998. أغلب أبحاثها الأكاديمية المنشورة تتعلق بالأدب المقارن، وخاصة في الشعر المعاصر، كما أنها ترأس تحرير مجلة الجامعة الفصلية المحكمة “علامات”، وتشرف على العديد من النشاطات الثقافية ضمن المحيط الأكاديمي وخارجه. من بين أهم أعمالها: سور الليل، زمن من ملح، قصائد في العراء، الذي نالت عليه جائزة أوسياس مارتش 2011، ضربة وحشية تحت البطن، بلا هدنة.

 “نوبونكه.. فقرات من روما” يعد تجربة أخرى مختلفة بين أعمالها، ابتداءً بالعنوان عبر كلمة “نوبونكه” التي نحتتها لتكون بمثابة الاسم لهذا المخلوق – الديوان بكل اللغات، تتلمس فيه آثار المحيط المادية والمعنوية، المكانية والزمانية على الإنسان روحا وجسدا، وكتب المقدمة له الشاعر الإسباني فيكتور غوميث بعنوان “الجسد يعرف كيف… أما زلت هناك؟ إلى متى؟”، واصفا قصائده بأنها تتميز بالترحال بين الداخل الإنساني وخارجه، وتترصد الحركة الخفية المصاحبة لهذا الترحال.

وقال الرملي “لقد أقيمت لهذا الإصدار الكثير من حفلات التقديم وأماسي القراءة في عدة مدن إسبانية وتشيلية وبرتغالية وإيطالية. شاركتها أنا بتقديمه في مدريد، كما حظي الديوان بردود الأفعال المشيدة به عبر المقالات النقدية التي كتبت عنه، ومن خلال العروض من فنانين تشكيليين لتحويل جزء منه أو كله إلى أعمال فنية، كترجمته اليابانية، لتكون على شكل لافتة أو سجادة طوليّة مصحوبة برسوم يابانية تقليدية، ومنها على شكل لوحة تطوى وتفتح كخرائط المسافرين، أو اتخاذ قصائده القصيرة ورسوماته كمادة لتصميم تقويم سنوي فني، ومؤخرا تلحين وغناء بعض مقاطعه.. وغيرها، وهنا نقدم ترجمة لهذا الديوان إلى العربية، مع الحرص على الحفاظ على بنيته التقنية، وإيصال حساسيته الشعرية، قدر الإمكان.” 

كاتدرائيات المـاء

قال الرملي “أما خوان ماسانا فهو شاعر ورسام إسباني، فقد ولد في برشلونة سنة 1950 وأقام معرضه التشكيلي الأول سنة 1974 ثم تواصلت من بعدها معارضه الفنية، في إسبانيا وخارجها، وعرف عنه تخصيص مراحل من تجربته لمواضيع محورية بسلسلة من اللوحات، ومنها عن الكتب وعن الكلاب، لكن أشهرها، تميزه وخصوصيته برسم البورتريه لأهم الشخصيات الثقافية الإسبانية، ومنهم الفائزون بجائزة ثربانتس للآداب.”

وتابع “تبنته المكتبة الوطنية الإسبانية، عبر العرض أولا، ثم الإصدار في كتاب مهم، بعنوان ‘حراس الذاكرة’، حيث رافقت اللوحات نصوص كتبها من تم رسمهم، يعبرون فيها عن رؤيتهم للحياة. كما اقتنت بعض المؤسسات والمتاحف والكاتدرائيات عددا من لوحاته. وعلى صعيد الأدب، فمن أعماله الشعرية: ‘ملك البليارد’، ‘ضيف صوتك’، ‘هناك في الخارج، في عينيك’، ‘حديقة فينا’، ‘جمال مناسب’ و’كاتدرائيات الماء’، كما له مجموعة أقاصيص تجريبية، بعنوان ‘يونس أو الموت الصغير’، مرفقة بصور فوتوغرافية التقطها المصور إدواردو رويغوميث. إضافة إلى إنجاز كتاب ومسلسل تلفزيوني وثائقي بعنوان ‘الحياة السرية للفن'”.

وأشار إلى أن “خوان عمل كأستاذ للرسم في جامعة ساينت لويس في مدريد، وفيها بدأت معرفتي به، زمالتنا وصداقتنا منذ سنة 2004، كنا نلتقي فيها يوميا، بين المحاضرات أو بعدها، في المرسم، في النادي، في المكتبة، وخارج الجامعة في الورش التي يقيمها، وفي مناسبات ثقافية وفنية وعائلية مختلفة. نتبادل الأحاديث والنصوص والآراء. يجيد أربع لغات هي الإسبانية والإنجليزية والكتالانية والإيطالية. زوجته إيطالية. يسافر وينشط ماسانا أدبيا، ومع ذلك فهو لا يحبذ قراءة قصائده أمام جمهور، يريدها أن تحظى بالصمت، الذي يعد من عناصرها الجوهرية. وعن وصف البعض لشعره بأنه من النوع الصعب، يقول ‘أدرك تماما بأن الشعر الذي يقرأ أمام جمهور هو الذي ينتشر ويشتهر، وأن الشعر الغامض ما عاد يحظى بالتقدير كالسابق، ومع ذلك أسعى للمحافظة على عذرية المادة الشعرية، في زمن يتم فيه انتهاك عذرية كل شيء. وبالنسبة إلى شعري فهو يتطلب قدرا من الانتباه والتأمل… إن الشعر يتطلب جهدا، لكن الناس ليسوا على استعداد للقيام بهذه المهمة، ليس لديهم الوقت لها، وهم يعيشون غارقين تحت وابل من الرسائل المبتذلة. ما أراه في الخارج، قاس ومحبط، ومع ذلك، أنظر إليه بأمل وحنان’.”

ويتابع “إننا نعاني من تكاثر السياسيين السيئين، وكما يقول أنطونيو لوبيث “إن الفنان السيئ لا يضر، أما السياسي السيئ، فنعم يضر. إننا بحاجة إلى الصمت والخروج من هذا الصخب.”

وأوضح الرملي أن “في ديوان خوان ‘كاتدرائيات المـاء’ الذي نقدمه هنا للقارئ العربي، نجد تأثير الرؤية التشكيلية على تناوله الشعري، حيث تبدو القصيدة أمامنا وكأنها تجسيد تشكيلي جامد ومحدود المفردات، فيما سيكشف لنا التأمل الجاد فيه عن حركة مرصودة تمور في داخله، وعن توتر حسي يعبر، وفي الوقت نفسه، يشي بعسر التعبير. إنها قصائد بالغة التكثيف، بحيث وصفها البعض بأنها صيغة لهايكو غربي. ومن محاسن هذه النصوص أنها تحمل قابلية فتح آفاق التأويل الشخصي للمتلقي، وبشكل خاص أوجه التأويل الذاتي البحت، وليس ذلك المقترن بطروحات التأويل الأدبي المعروفة.. إنها نصوص تبدو صامتة وتقرأ بصمت، مثلما أن فاعلية تلقيها الداخلي ستعمل بصمت يتعلق بالعمق.”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في صحيفة (العرب)، العدد 13472 بتاريخ 30/4/2025م

https://alarab.co.uk/sites/default/files/2025-04/12_27.pdf

https://alarab.co.uk/%D9%84%D8%A7-%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D9%8A%D9%83%D9%81%D9%8A-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D8%A7%D9%88%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D9%85%D8%AB%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7