الأحد، 7 سبتمبر 2025

محسن الرملي في إذاعة مونت كارلو الدولية

 برنامج/ كافيه شو

محسن الرملي: الفرح لا يصلح موضوعاً لرواية 

إعداد: باسم سلوم وغادة الخليل

نشرت في: 07/09/2025

استضفنا في برنامج كافيه شو الكاتب العراقي محسن الرملي للحديث عن أعماله الأدبية ومسيرته الممتدة بين العراق وإسبانيا، وعن مجموعته القصصية الجديدة "آخر القرويين" الصادرة حديثا عن دار المدى.

هذه المجموعة تمثل امتدادا لتجربته السردية في التقاط تفاصيل الحياة العراقية، ولا سيما في الريف الشمالي، حيث يمزج الرملي بين الواقعية والأسطورة في رسم تحولات الناس تحت ثقل السياسة والتاريخ.

محسن الرملي يعد من أبرز الأصوات العراقية المعاصرة، غادر العراق منتصف التسعينيات ليستقر في مدريد.

ترجمت أعماله إلى لغات عديدة، وحظيت رواياته مثل الفتيت المبعثر وتمر الأصابع وحدائق الرئيس وبنت دجلة باهتمام نقدي وجماهيري واسع، كما وصلت إلى قوائم الجوائز العربية والدولية الكبرى.

وفي كتاباته، تحضر السخرية والمرارة جنبا إلى جنب مع الحس الإنساني العميق، لتشكل شهادة على ما عاشه العراقيون من حروب ومنفى وأحلام مؤجلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في: 07/09/2025 

الرابط

https://www.mc-doualiya.com/%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%AC/%D9%83%D8%A7%D9%81%D9%8A%D9%87-%D8%B4%D9%88/20250907-%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%AD-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D8%B5%D9%84%D8%AD-%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9%D8%A7%D9%8B-%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9

الأربعاء، 3 سبتمبر 2025

فحوصات ثقافية: عن الأجيال/ محسن الرملي

 

فُحوصات ثقافية

أين الأجيال الإبداعية!

بقلم: الدكتور محسن الرملي

تُرى هل انتهى تقليد تسمية الأجيال الإبداعية؟ وتسمية: مدارس، تيارات، حركات وجماعات ثقافية؟ وكنا قد اعتدنا هذا التقليد طوال القرن العشرين. بينما نشهد اليوم تراجعه حتى في الثقافة الإسبانية، التي عُرِفت بالتَجيِّيل أكثر من غيرها، وأخذَته عنها الثقافات الأخرى، وكان أبرز أول أجيالها في أواخر القرن التاسع عشر، -وتحديداً- في 1898 لذا؛ اشتهر بتسمية جيل الـ98 ورسخت بعض أسماء أعضائه في إرث الأدب العالمي، كالحائز على نوبل 1956 رامون خيمينيث، الذي ألَّف عنه العقاد كتاب (شاعر أندلسي وجائزة عالمية)، والشاعر الكبير ماتشادو والمفكر أونامونو وغيرهم، تلاهم في الشهرة والأهمية: جيل الـ 27 الذي ضم لوركا وألبرتي وإرنانديث وبيثنته ألكساندره الحائز على نوبل 1977 وغيرهم. وعلى الرغم من أن مسألة التجييل لها شروطها المعروفة، التي دار الجدل عنها كثيراً، إلا أن اِتباعها كإجراء نقدي وإعلامي قد أثبت جدواه وإيجابيته في الإعانة على التعرّف والفهم والتدريس والإحاطة بالنتاج والخصائص وهموم الأسماء الجديدة التي تظهر في الساحة، ولم تقف عائقاً أمام خصوصية الأصوات الفردية داخلها، فتم اللجوء إلى اتخاذ العقود السنوية لتسمية الأجيال.. واتبعنا نحن في ثقافتنا العربية هذا الإجراء، فاعتدنا تسميات أجيال: الخمسينيات، الستينيات.. ولغاية التسعينيات، حيث تتبلور الأسماء وتظهر إصداراتها الأولى في منتصف العقد، ومنها ما يجتمع ويُصدِر بياناً للتعبير عن رؤيته وتدوينها وتحديد همومه ومفاهيمه ومتلاقياته واختلافاته مع الأجيال السابقة.. فما الذي حدث؟ وها نحن في منتصف العقد الثالث من هذا القرن، ولم تبرز بيننا أية محاولة جادة وواضحة تُسمي لنا الأجيال الجديدة! هل لصعوبة إيجاد التسمية؟ أم أنه تراجع النقد؟ أم ضعف التواصل والتلاقي الشخصي والفكري بين المبدعين الجدد؟ أم العكس، حيث عززت سعة وسهولة وسائل الاتصال هم الاشتغال على الاسم الفردي، وأن هذا الانفتاح في النشر والتواصل قد زاد من صعوبة حصر أسماء بعينها؟ أم أن تسمية (جيل) ذاتها قد انتهت وأصبحت من الماضي؟ وإذا كانت قد انتهت.. فما هو البديل؟ وهي التي كانت تعين المتلقي والدارس على تكوين تصور ما، وإطار يُعرّفه بكل جيل، أفكاره وقضاياه ولغته وما يحيط به وبنتاجه من ظروف، كما يساعد على ترسيخ، أو -على الأقل- تَذكُّر الأسماء والملامح. بالطبع، ثمة بعض المحاولات المحدودة لمواصلة هذا الإجراء والسعي لتشكيل مجاميع، أكثر من تسمية أجيال، حسب معرفتي بالساحات الثقافية الإسبانية والعربية والأمريكولاتينية، بعضها يحظى بانتباه، سرعان ما يخفت، ولكن الواضح؛ هو أنها لم تعد تحمل الأهمية ذاتها، ولم تتمكن هذه التسميات من فرض صوتها واسمها كما كان يحدث من قبل. وهذا أيضاً يستدعي التقصي عملياً وعلمياً، وفق تجربة كل محاولة أو مجموعة، ومن ثم دراسة كل ما يتعلق بتراجع هذه الظاهرة بشكل عام، ومسألة التجييل بشكل خاص... أنا شخصياً مع إعادة اِتباع إجراء التجييل الذي أثبت فاعليته، وأتساءل: تُرى هل تستحق منا هذه القضية وقفة تأمل ونقاش فعلاً، أم أن الأصح هو الاكتفاء بتجاهلها والاستسلام لانتظار ما ستتمخض عنه صيرورة الوقت وطبيعة الحراك الثقافي عموماً؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (كتاب) العدد 83، سبتمبر 2025م

https://xsi.sibf.com/content/uploads/publisherweekly/pdf/2_547ea81c7ea34dae9c39ee31408a3a.pdf

حوار محمد شكري/ ترجمة: محسن الرملي

 

الكاتب المغربي محمد شكري يتحدث عن (زمن الأخطاء)

شُهرة "الخُبز الحافي" حطَّمَتني

كُنا في نظر الكُتاب الأجانب مُجرّد قِردَة!

هذا حوار أُجري باللغة الإسبانية مع الكاتب المغربي محمد شكري (1935 ــ 2003)، قبل ثلاثين عاماً، سنة 1995، ونشرَته صحيفة (الباييس)، بمناسبة ترجمة ونشر روايته (الشُطار) أو (زمن الأخطاء) التي تُعتبر الجزء الثاني لروايته السيريّة الأشهر (الخُبز الحافي).

 

ترجمة: د. محسن الرملي

إن الاقتحام الذي قامت به رواية "الخُبز الحافي" عند صدورها، أحدَث ضجّة في الساحة الأدبية في المغرب، حيث كانت الرواية سيرة ذاتية لمحمد شكري نفسه.. قساوة وبوح بلا قيود، كفاح صبي من أجل العيش في منطقة "الريف" المكتظ بالجنود الإسبان وفي مدينة طنجة أيام مرحلة خضوعها لسيطرة دولية... كانت "الخبز الحافي" هي الوجه الآخر لحلم الإنسان الشرقي، حدثنا شكري فيها عن المدينة ذاتها، التي كتب عنها الكثير من الكتاب الآخرين، ولكنه وصف الجانب الآخر من المِرآة.. جانب المُنتقم الذي صَبغ الأحذية وفتح أبواب السيارات، ذلك الذي ارتكَب السرقات الصغيرة أو رافق البحارة السكارى في مراكبهم وهم يفقدون زورقهم الأخير.

كتابه الأول يصف نموذجاً واقعياً يعيش بين المغاربة، وقد رفض البعض الاعتراف بمحمد شكري ككاتب، على الرغم من أنه كان محمياً –في بداياته- من قبل الطاهر بن جلون وبول بولز ومُقدَّما من قبل خوان غويتيسولو، أو مدعوا من قبل برنار بيفو في برنامجه التلفزيوني الشهير. أما اليوم فان محمد شكري، الذي أراد الكثيرون في بلده أن يروه منتهيا، قد أصبح كاتباً معروفاً في فرنسا وألمانيا واليابان، ويظهر الآن في إسبانيا كتابه الجديد "زمن الأخطاء" الذي صدر عن مركز القراء بمدريد. إن هذا التحول المؤلم للنشال الأُمي، الذي أصبح كاتباً، جعل من كتاباته صوراً حية مُستخرجة من نزول مرعب إلى الجحيم الخاص وحصاره الوجودي الذي سيخرج منه مُنتصراً بفضل الأدب.. اللوح الوحيد الذي تماسك واستمسك به حين كان آيلاً إلى الجنون.

 في "زمن الأخطاء" يُحدثنا شكري، بلهجة واخِزة، عن الكفاح اليومي من أجل لقمة العيش في عالم ملئ بالمخدرات والبغاء والصعاليك والسرقة، عن أولئك الناس الذين يعيشون بمستوى متدن في أطراف مدن الشمال المغربية، خلال فترة الاضطرابات، أيام النضال من أجل الاستقلال في بداية الستينات في طنجة.

-      لقد أُعتُبِرتَ كاتباً من أصحاب الكتاب واحد فقط؟

-      شُهرة "الخُبز الحافي" حطَّمتني، فقد وضعتني أمام مُنعطف مسدود، حيث لم يكن عندي شيئاً أكتبه على مدى سبع عشرة سنة، فبعد أن تُرجم خُبزي الحافي إلى الفرنسية، راحوا يطلبون مني نصوصاً غير منشورة، وبدلاً من أن أكتُب؛ فتحتُ الصناديق العتيقة وأخرجتُ الذي كان مُتراكماً عندي، فأصبح الأمر أكثر صعوبة فيما لو أردتُ العودة إلى الكتابة.

-      يُلاحظ بأن الكثيرين في بلدك يعتبرونك ملعوناً!

-      إن الذي أكتبه صادم أخلاقياً وغير مريح، لقد شعروا بالإساءة إليهم، وهاجموني سابقاً، وهذا ما يحدث الآن أيضاً، ولكن بشكل أقل. فالعقلية قد تغيّرت، حتى بالنسبة للرقابة، ومازالت بعض كُتبي ممنوعة، لكنهم يريدون تدريس "الخُبز الحافي" في الجامعات مقارنة مع سِير ذاتية أخري لكتاب عرب مثل طه حسين. كتابي هو أول سيرة ذاتية لكاتب عربي تحمل بعض المُحرمات.. وقد عَقد بعض الأساتذة اجتماعاً لأنهم وجدوا صبياً في الرابعة عشرة من عمره يقرأ "الخُبز الحافي" واعتبروا أن الكِتاب خارج عن المُراقبة، وحذروا من خطورة الكُتب اللا أخلاقية على الشباب... بالنسبة لي، أرى بأنهم يعتبرونني ملعوناً لأن أهل طنجة قالوا بأنني كتبتُ أشياء فاسدة عن المدينة، والرقابة على كتبي بدأت في طنجة، ولكي أُعاقب هذه المدينة؛ لم أسمح ببيع كتابي "السوق الصغيرة" هناك.. إنها مزحة، نوع من أشكال الضحك على الرقابة وعقلية الناس الذين يقفون ضدي، فبالإمكان شراؤه في القنيطرة أو في الرباط، ولكن ليس في الشمال.

-      فاجأتَ الجميع مُجدَّدا بكتابك الجديد "زمن الأخطاء" لأن الكثيرون اعتقدوا بأن محمد شكري لن يعود إلى الكتابة.

-      بالنسبة لي، كان ذلك تحديّا لكسر الحلقة المفرغة التي وجدت نفسي فيها، إنها مبارزة، مواجهة لنفسي وللآخرين، فقد حبست نفسي خلال شهر رمضان لعام 1992 ولم أفتح الباب لأحد، باستثناء صديقي الشاعر عبد اللطيف بن يحيى، وكنتُ أعمل في اليوم الواحد 10، 12، 15، 17 ساعة. لقد كتبتُ تحت حالة وجو من الكآبة، ولذلك فإنني عندما أنهيته، شعرت بمنتهى الراحة، كان نجاحه طيباً وقرأت مقالات نقدية جيدة عنه، ولكن ما زالوا في المغرب لم يفهموه بشكل كامل، لأنه ليس سيرة ذاتية بمواصلة تسجيل الأحداث، ولا هو كتاب كلاسيكي ولا حديث، بل هو مزيج من النثر والشِعر.. الشيء الذي أستطيع قوله هو: إن طبعته الأولى كانت خمسة آلاف نسخة في بلد نصف سكانه أُميّون، ومع ذلك فقد نفدت خلال خمسة أسابيع، وعلى أقل تقدير؛ قد بيع منه، خلال عام واحد، عشرة آلاف نسخة، وهذا رقم قياسي بالنسبة لكاتب مغربي.

-      هل تعتبر "زمن الأخطاء" تكملة لـ "الخُبز الحافي"؟

-      نوعا ما.. نعم، ولكنه مختلف جداً، ابتداءً من الصفحة مئة، حيث لا يكون سيرة ذاتية خاصة بالعيش، وإنما سيرة ذاتية تأملية، فإذا كان الكتاب الأول قد كتبته عن المعدة، فان الثاني، وبعد بضعة فصول، أردتُ كتابته بمنظور أدبي واجتماعي، وليس فيه أحداث كثيرة، وإنما الكثير من التأمل، أضفتُ لمسة شِعرية على الاتساخ البشري، لأنه ينبغي إعلاء ما هو يومي.. تجميل ما هو قبيح في الحياة والطبيعة، فالإنسان بلا مخيلة هو مُجرم، متوحش.

-      هل لديك مشاكل –مُجدَّدا- مع الرقابة؟

-      "زمن الأخطاء" قوي جداً، مثل الكتاب الأول، ويحتوي أحيانا على أشياء أكثر قساوة، وبلا شك لم يكن مُراقباً.. ثمة تسامح أكبر الآن، هذا ما أستطيع قوله عن الشعب المغربي، وعن الخطة السياسية فيه، لستُ مدافعاً عن النظام، ولكن لا يمكن قول ذلك عن بلدان عربية أخرى، فلو كنت أعيش في العراق أو مصر لقتلني المتعصبون، المحافظون هم راحة مزيفة للاستحكامات الإنسانية القديمة... يقيمون الثورة في الفراغ، ليس لديهم أي برنامج، وإنما "ثورة للثورة"، كما حدث خلال الحرب العراقية عندما كان كل الشارع لصدام حسين، على الرغم من أنهم، في الحقيقة، يعرفون بأنه يقود كل شعبه إلى الفوضى. وعلى العكس مما حدث في الجزائر وتونس ومصر، فإن التيار المحافِظ في المغرب كان تحت السيطرة الشديدة. النظام لا يوافق على هذا التنين، وإذا ما ظهر في يوم ما –مثلما حدث في الجزائر- سأكون أنا شخصيا ميتاً.. مجرد شُكري ميت.

-      ماذا تُحضِّر الآن؟

-      أكتب نصاً حول بول بولز.. كتبتُ منه مئتين وخمسين صفحة ومازلت مستمراً بالكتابة، فعندما كتبتُ عن تينسي وليامز وجان جينيه في طنجة، هناك من قال لي: لماذا لا تكتب عن بول؟ فقبلتُ التحدي، ولم أكن أظن أبداً بأن الأمر سيكون بهذه الصعوبة.. أريد أن أروي أشياء لم يروها الآخرون سابقاً، وربما أن الكتاب قد جعلني أعاني أكثر، لأنه يتناول إعادة خلق أشياء عشتها مع بول.. بل حول طنجة، حول بول وامرأته جانيت، التي كانت أكثر أصالة وعمقاً من بول، ولكنها كانت مقموعة من قبل زوجها، كما سيكون كتاباً يتحدث عن أصدقائه وأصدقائي، لأنني بين الحين والآخر؛ أنسى بول وأكتب عن كلبي جوبا. ربما سأُعنونه "رحلة الأصوات" وسيكون كتاباً عن سيرته وسيرتي وسيرة طنجة.

-      ما هي علاقتك ببول بولز؟

-      بول شجعني لكي أستمر بالكتابة، وأعتقد أن ترجمة كتابي الأول كانت شيئاً مهماً.. ولأننا، نحن الاثنان، تقاسمنا الكُره من شكل الأبوة العدواني، وكان للعذابات التي أوقعها به والده المتزمت أثراً نفسياً بالغاً، وأنا، كان أبي يأخذني مثل أرنب ويربطني بحزام جلدي يحتفظ به منذ أن كان في الجيش الإسباني، فكان من المؤكد أن أهجره وأهرب... ذات يوم ما، ثقل عليه أنه ليس لديه شيئاً ليُطعمنا، فقبض أبي على عنق أخي بكل قوته.. مات أخي بعد يومين، ومنذ تلك اللحظة كرهتُ أبي وهربت من البيت.

-      كيف كانت تلك الطنجة العالمية المأهولة والأدبية؟

-      كانت مدينة أكثر اِنفتاحاً، حياة وموطن عالمي، ولكنني لم أشعر بأية جمالية، لأنني كنت أعيش في القاع.. شيء بلا تصنيف، فمثلي أنا، لم يكن له منفذ إلى طنجة العالمية، لم أعرف الآيس كريم، لأنه كان ممنوعاً علينا الدخول إلى الكثير من الكافيتريات والبارات، وإنما –فقط- المغاربة الأغنياء أو المتعاونون الذين لهم صلاتهم. كنت أبحث عن الخبز اليومي وأنا في المقابر، لأجل الهرب من سلطات المراقبة والتفتيش. بعد ذلك بوقت متأخر، عندما أصبحتُ أكبر، وعندما تعلمت الكتابة، تعرفتُ على بعض الكُتاب.

وعلى الرغم من أن تينسي وليامز قد عرَف الفقر أيضاً، إلا أنه كان يخجل منه، لم أنسجم معه، أما مع جان جينيه فقد كان الأمر مختلفاً، لأننا تشاركنا في الكثير من المشاعر. نحن الاثنان كنا نشّالان وبوهيميان ومتشردان. كان رجلاً بسيطاً ويزدري الذي كنت أزدريه أنا، ولذلك وُجِد نوعاً من تيار التعاطف والانسجام المتبادل بيننا.

إن الذي ألوم عليه هذه الشخصيات الأدبية التي مرت بطنجة –واستثني جينيه وبيكيت ومورافيا- أنهم لم يكونوا يكتبون عنها بطريقة موضوعية، ولم يهتموا مطلقاً بالمجتمع المغربي في كتاباتهم، وإنما يُشيرون إلى المغاربة كصِبية، كخدم في الفنادق أو في المقاهي أو أجساد ترد لمتعة دقائق.. بما في هؤلاء الكُتاب بول بولز، الذي كانت نصوصه غريبة جداً، ما عدا كتابه "بيت العنكبوت" فقد حاول تحليل المجتمع.

كل أولئك الذين كانوا يبحثون عما هو بدائي.. كانوا يأتون إلى طنجة؛ كمن يأتي إلى مشاهدة فيلم للمغامرات.. لرؤية قِرد يقفز من شجرة إلى شجرة.. هذا ما كُنا نعنيه بالنسبة لهؤلاء: مُجرد قِردة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشر في مجلة (إبداع) المصرية، العدد الأول، الإصدار الخامس، أغسطس 2025م

السبت، 2 أغسطس 2025

فحوصات ثقافية: عن الجوائز/ محسن الرملي

فُحوصات ثقافية

جَوائزُنا قليلة مهما كَثُرت 

بقلم: الدكتور محسن الرملي

يتردد الحديث في أوساطنا الثقافية مؤخراً عن رأي مفاده: إن الجوائز العربية قد أصبحت كثيرة وأن ما يُكتب وما يُقال عنها كثير. إلا إنني لا أجد نفسي متفقاً مع هذا الرأي. بل أرى العكس، فيما لو قارّنا عدد جوائزنا بما هو موجود في ثقافات أخرى، ففي فرنسا قرابة الخمسة آلاف جائزة، وفي بلد واحد فقط، من بين أكثر من عشرين بلد ناطق بالإسبانية، هناك أكثر من ثلاثة آلاف جائزة أدبية في إسبانيا، عدا المُخصص للفنون الإبداعية الأخرى ذات العلاقة بالنتاج الأدبي، كجوائز أغلفة الكتب والمراجعات النقدية والنشر والترجمة والإلقاء والتحرير الأدبي واللغوي.. وغيرها. تتراوح مكافآتها بين رمزية تقديرية؛ شهادة شكر وميدالية، أو التكفل بنشر النصوص والاحتفاء بها، إلى أخرى تربوا على الستمئة ألف يورو. وتتنوع الجهات المُنظِّمة بين مؤسسات رسمية وأخرى خاصة، بلديات المدن والقرى والأحياء والجامعات والمعاهد والبنوك والشركات والمكتبات والجمعيات والنوادي والصحف والمجلات والإذاعات والمواقع الإلكترونية، ودور النشر صغيرها وكبيرها.. بل وحتى العديد من المقاهي العادية. جوائز تحمل أسماء مدن وقرى وأنهار ومؤسسات وشركات وآثار وأحداث وشخصيات، أموات أو أحياء، ومنها ما يحمل اسم عمل أدبي بعينه كالكيخوته مثلاً. أما لو حاولنا إحصاء جوائز الآداب المكتوبة بالإنكليزية، فيبدو أمر حصرها أشبه بالمستحيل، بينما نحن؛ أكثر من عشرين بلد ناطق بالعربية، ما زالت جوائزنا محدودة ويمكن عدّها بيُسر.

إن استحداث الجوائز والإكثار منها ضروري وحيوي لأية ثقافة عموماً، تنفع الكاتب والناشر من حيث مردودها المعنوي والإعلاني والمادي، وتخدم القارئ بتنبيهه إلى أعمال، ربما ما كان لينتبه إليها لولا الجائزة، كما تنفع مُنظميها ومُحكميها بالمزيد من القراءة والاطلاع والدعاية وتنشيط منظومتهم، كما ينشط دم الإنسان بعد التبرع بشيء منه.. وكم من جائزة مدرسية بسيطة ورّطت طفلاً، بعد فرحته بها، كي يكرس حياته من بعدها للأدب، فتكسب الثقافة مبدعاً آخر ليكون مستقبلاً من رموزها وقِممها.

إذاً، فالجوائز عندنا ليست كثيرة، وعلينا العمل على تفعيل هذا التقليد الثقافي قدر المستطاع، وعلى كافة الأصعدة والميادين، فالثقافة لا تقتصر على كاتب وناشر ومكتبة، وإنما هي شأن الجميع. علينا أن نكثر من الحديث عنها والمطالبة بها أو استحداثها بأنفسنا، حتى وإن اقتصرت جائزة على مجرد اسمها، مُرفقة بكلمة شكر وتقدير، فالجائزة هي بالفعل مسألة شكر وتقدير.. وكل إنسان يتمنى الحصول على مكافأة معينة على جهده وعمله، ولو كانت مجرد كلمة شكر واعتراف، وسط هذا الكم الهائل من المُحبِطات والمُثبِّطات وخيبات الآمال التي يتلقاها يومياً...

أذكُر أن الكاتب الأمريكي بول أوستر، عندما كان في أوج شهرته وعطائه، جاء، على حسابه الخاص، إلى قرية نائية في إسبانيا، رغم انشغالاته، وفي غمرة أعياد الميلاد، ليتسلم جائزة لا مادية ومجهولة، عبارة عن (شهادة) ورقة شُكر مطبوعة على الكمبيوتر، اِخترَعتها مجموعة أصدقاء، نادي قراءة، فهو لم يأتِ لطلب شهرة أو مال؛ بالتأكيد.. وإنما جاء تقديراً لهذا التقدير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (كتاب) العدد 82، أغسطس 2025م

https://sibf.com/ar/pwhardcover

الجمعة، 1 أغسطس 2025

قراءة في رواية: ذئبة الحب والكتب/ د. وجدان الصائغ

 (ذئبة الحب والكتب) لمحسن الرملي

وثيقة لحياة المثقف المنفي داخل العراق! 

                                                               الدكتورة وجدان الصائغ

قسم دراسات الشرق الأوسط - جامعة ميشيغان

     كيف استطاع محسن الرملي في رواية (ذئبة الحب والكتب) الصادرة عن دار المدى، بغداد – دمشق ٢٠١٥ ان يمتلك مهارة براعة المطلع حين اعترف منذ السطر الأول وكأنه يجلس قبالة القارئ ويحدثه وجها لوجه: (أنا محسن الرملي، مؤلف كل الكتب التي تحمل اسمي باستثناء هذا، ولو لم اكن شقيقا لحسن مطلك لكتبت ضعف ما نشرته حتى الان، او لما كتبت أيا منها أصلا ولا حتى اهتممت بهذا الكتاب الذي وجدته صدفة حين كنت في الأردن فغير حياتي كلها وجئت الى اسبانيا بحثا عن المرأة التي كتبته... انها امرأة تبحث عن الحب وانا ابحث عنها، الرواية، ص ١١) ليكون  منذ البدء امام مشاكسة دلالية تضيء من جانب ركائز العمل الروائي برمته فثمة  الشخصيات  الرئيسية المنشطرة بين الواقعية (محسن الرملي+ حسن مطلك) والمتخيلة  (هيام)، ومن جانب آخر  تعطش افق التلقي لمعرفة تفاصيل سيرة محسن الرملي  التي انكر نسبتها له (مؤلف كل الكتب التي تحمل اسمي باستثناء هذا) ووصفها بانها  مجرد كتاب وجده صدفة  في الأردن . زد على ذلك ان المؤلف نفسه كرر مرارا في مقابلاته المتلفزة لاسيما مقابلته الأخيرة في بودكاست روايتهم (*) ان رواية (ذئبة الحب والكتب) تتضمن ادق تفاصيل اقامته الأردنية بعد مغادرته العراق.

 وهذه الإشارة المكررة جعلني ابحث عن تلك الرواية العراقية  التي تتقصي حياة مثقف عراقي عاش تلك الحقبة المنسية  في تاريخ الثقافة العراقية المعاصر وفكرة البحث بين سطورها عن بقايا ذاكرتي التي تشظت منذ ان تركت العراق الى الأردن ثم اليمن وصولا الى اقامتي المشيغانية... وأحسبها ذات الخطوات التي خطاها المؤلف من العراق صوب الاردن باتجاه اسبانيا متجاوزا محطة اليمن، هي محطات متسلسلة مرّ بها معظم مثقفو العراق زمن الجوع والموت الطاغوتي اذ تناهبت اقدامهم الأمكنة من العراق الى عمّان الى اليمن او ليبيا  قبل الاستقرار في المنافي الغربية ... وحين وجدت تلك الرواية واجهتني الاستهلالة الجريئة الجاذبة الانفة الذكر  التي تحمل في طياتها مصداقية السيرة الذاتية لاسيما علاقة المؤلف بشقيقه حسن مطلك التي يؤكدها بأسلوب البوح السيري وبتقنية الارتجاع الفني: (كل من يعرف حسن مطلك يعرف بانني شقيقه، والمهموم بحمل صوته حتى اخر عمري منذ إعدامه ووصمه بالخيانة ومنعنا من إقامة عزاء له ومنع ذكره في الصحافة او حتى في المقاهي الثقافية شعرت بداخلي بطعنة لا شفاء منها، الرواية، ص ٤٢) تلك المصداقية نجحت في ان تفتح صنبور الذاكرة لتعود بي الى معرفتي بالمؤلف الذي سمعت به اول ما سمعت حين كنت طالبة في جامعة الموصل وقد ذكر احد المثقفين العراقيين الذي غاب اسمه عن بالي ان المؤلف حين كان طالبا في جامعة الموصل بقي متأبطا ما كتبه حسن مطلك بعد إعدامه باحثا عمن يسلط الضوء على نتاجه الإبداعي غير مرتهب ومرتعب مما سيحل به لو علم به الدكتاتور حينها، وأضاف قائلا: "وقتها كنت أستاذا في جامعة  الموصل وكان محسن الرملي طالبا في الجامعة نفسها جاء الى مكتبي متأبطا رواية أخيه (دابادا) وراغبا في ان اكتب عنها وانشر مقالا بهذا الصدد.. حقيقة اعجبتني الرواية وكدت انجز مقالا عنها وعن جمالية الأسلوب فيها ولكن أحد "الرفاق" شاهد الرواية على مكتبي فقال لي بأسلوب ينز منه الشر المستطير: كيف حصلتَ على هذه الرواية؟ وما شانك بها؟ هل لك علاقة بمؤلفها؟ ألاّ تعرف ان صاحبها قد أعدم بسبب مؤامرته على قلب نظام الحكم؟  وأضاف: بالواقع حين استلمت الرواية من محسن لم اربط بين الصلة بين الاثنين.. فهذا محسن الرملي وذاك حسن مطلك وانا اعرف ان شقيق الرملي معدوم لكني ظننت انه قد سلمني رواية لكاتب أُعجب به وليس لشقيقه... طبعا كمحصلة للشر المستطير المتوقع من نشر مقالة عن المطلك وقتها لم اكتب حرفا عنه حماية لي ولأسرتي" بعد هذا الخبر تناهبت المنافي أعمارنا فلم اعد اسمع بالرملي خلال اقامتي الأردنية القصيرة حتى وصلتني خلال اقامتي اليمانية رسالة استكتاب انيقة  بتوقيعه من مجلة ألواح التي تصدر في اسبانيا ، اعجبت بطروحات المجلة الجريئة التي شكلت جسرا بين ادباء الشتات وتحديدا العراقيين ، فأرسلت له بمقالتي (النافذة في شعر المقالح) ووصلني بعدها منه عدد مجلة ألواح  الذي تضمن مقالي منشورا.. ثم تناهبتنا الايام مرة أخرى حتى وصولي الى اقامتي الميشيغانية وقررتُ زيارة اسبانيا واثارها الاندلسية فرشح لي بعض أصدقائي من المثقفين العراقيين أسماء عدة هناك ومنها محسن الرملي... وحين التقيته وزوجي صبري مسلم تجول بنا في أروقة مدريد وساحاتها ناثرا حكاياته على ازقتها الغاصة بالناس.. كلمنا عن ولعه بالمدينة وولعه بالأدب الاسباني والعربي على حد سواء... كلمنا عن لقاءاته بالشاعر عبد الوهاب البياتي... عن أصدقائه العراقيين هنا في اسبانيا وهناك بالعالم العربي... وعن ولعه بالكتابة الذي تحول من الترجمة الى الرواية الى الشعر ثم عاد الى الرواية والترجمة... كلمنا عن عائلته وأولاده وعن عمله كأستاذ جامعي...  درنا معه في شارع الأدب ووقفنا طويلا امام تمثال لوركا، حمّلنا بعدها هباته الثمينة  منها روايته (تمر الأصابع) وكتابا لشقيقه حسن مطلك بعنوان(الكتابة وقوفا، تأملات في فن الرواية)  تأبطتُ الكتب وعدت بها الى اقامتي الميشغانية لأجدني امام روائي من الطراز الأول ليس لأنه يمتلك مهارة السرد واكسير البوح فقط، بل لأنه استطاع ان يجعل من النص الروائي مرايا صقيلة تعكس  واقع الانسان العراقي المطحون تحت مهرسة الاعلام العربي والغربي التي تشيؤه وتبقيه بعيدا عن دائرة الضوء بل وتقولبه طائفيا وعرقيا متناسية الروابط الثقافية والتاريخية والحضارية التي تشد ازر المجتمع العراقي. وهذا ينسحب على  رواية (ذئبة الكتب والحب) التي بدت منذ الكلمة الأولى افقا مرآويا نرى من خلاله تفاصيل مدينة أربد وازقتها ومطاعمها وحوارات الشخصيات المتحركة على مسرح النص والتي تمتزج فيها اللهجة العراقية باللهجة الأردنية ونرى عيانا  الشخصية الرئيسة (محسن الرملي) متحديا الجوع  الجسدي والنفسي تارة، ومتحديا التابوهات حين يسقط في شرك الغواية الجسدية مع الخادمة السيرلانكية  السمراء التي لا تعرف من العربية سوى كلمة (هبيبي)، وتارة حين يتمرد على واقعه بنفض غبار الفقر والحاجة والإصرار على الابداع والبحث عن فرصة للخلاص فيستمر في نشر مقالاته في الصحف الأردنية والجلوس لمراجعة الكتب في المكتبات العامة ورغبته في نشر مجموعته القصصية الأولى. 

 من اللافت ان المؤلف وبوعي دلالي حاد يمزج بين السردي المتخيل والسيري الواقعي ليخلق نصا ينفتح على تأويلات شتى لذلك فان افق التلقي سيكون على مدار الرواية قبالة خيطين متضادين متآلفين ينتظمان: الرواية الأول هو خيط يكثف فيه المتخيل السردي البعد الروائي لملامح  الـ (هي) التي اسمها هيام والأخر يكثف تفاصيل اليومي المعاش لـ(انا) الذي هو محسن الرملي نفسه خلال اقامته الاردنية قبل انتقاله لإقامته الاسبانية ليبقى التلقي مشدودا الى خيط الـ(أنا) الذي غدا مرايا صقيلة تعكس معاناة المثقف العراقي الذي لفظه المكان الحميم فوجد نفسه نهبا للغربة والفاقة في محطته الأولى (الأردن) يحمل على ظهره ذاكرة بلاد عصف بها الموت والخراب فجلس على اعتابها باكيا، زد على ذلك حرص المتخيل السيري على ان يكون كل  حرف من كلماته شظية  تضيء تفاصيل معاناة المثقف العراقي الذي لم يتجرأ على الكتابة عنها خشية الرقيب الاجتماعي وخشية كسر الصورة المكتملة للمثقف العراقي الذي نفذ بجلده  ناجيا من عصف الحرمان الجماعي وليس معه فلسا واحدا للعيش او السكن في منفاه، تامل مثلا المقتطف التالي، ولاحظ كيف نجح المتخيل السيري في ان يجعلك تبصر عيانا معاناة الشخصية الرئيسية وبوحها النازف الذي ينزع بالجزع من سلطة الجوع، وتبصر امكنته التي ظللها الفقر بعتمته، كما ترى رأي العين الشخصيات العراقية والاردنية والمصرية (الصعايدة) المتحركة على مسرح النص وتسمع حواراتها المتنوعة:

(في عملي الجديد كحارس شيدت لنفسي غرفة/ هشة، هي مربع من الكابوث غير المبني، سقفته بالزنكو والبلاستك وغلفته من الداخل بالكارتون الذي الصقت عليه بعض الصور العائلية التي معي وصورا أخرى قصصتها من الصحف كي تخفف وحشتي، صنعت لنفسي سريرا من الكابوث وحلب لي ماهر فراشا ومدفأة صغيرة وأدوات طبخ ودفترا وقلما ومحبرة وما طلبته من كتب، من حسن حطي ان ماهر شاعر مرهف الحس كان يأتي لمسامرتي في بعض الليالي لوحده او بمصاحبة احد الأصدقاء كالناقد احمد خريس او الرسام علي طالب او المخرج المسرحي الدكتور كرومي، وهم أساتذة بجامعة اليرموك ـ فيما انا بلا هوية بملابس رثة، بالكاد اجد ما يسد رمقي، تمضي اغلب الاماسي بالحديث عن الثقافة والشعر وقراءته، كانوا يرفدونني بالكتب والاهم ما كنت اشعر به معهم من آدميتي وبكوني انسانا عاديا لأني كنت امر بمرحلة عرفت فيها لأول مرة إحساس الانسان الفقير المسكين انه نوع من الشعور بالدونية والضعف والمهانة وتقليل قيمة الذات بل وحتى الحيوانية في لحظات الجوع لذا، لكي اشعر بآدميتي.ـ اذكر حين أعيش مع الصعايدة ولا اجد أحيانا ما اجده ليومين او ثلاثة اسي. كالنائم موشكا على الاغماء، اتجه صوب احد المحلات الفخمة لبيع بدلات الرجال وهناك يستقبلني العاملون بترحاب من الباب ويوقونني باحترام مبالغ فيه ليروني أنواع البدلات قماشها مقاسها، ماركاتها ويخاطبونني بحضرتك وهم يعينوني على تجريب المقاسات، فيما انا افاصلهم على السعر، وعادة ما اقلله الى النصف، كلما انزلوه أطالب باقل واوجد مبررات او عيوب في البدلة او أقول باني رأيت مثلها في محل اخر بكذا سعر وهكذا لربع ساعة تقريبا، حيث تعاملهم وحديثهم معي وبهذا الشكل ينفض الشعور الحيواني ويوكد لي بانني لازلت ابدو اميا عاديا بعيون الاخرين، اشعر باني لازلت انسانا، ص ٨٣) من اللافت ان  المتن يستدعي على مراياه وجه دون كيخوته وسيفه الخشبي الذي يقارع به طاحونة الهواء كما قارعت الشخصية الرئيسية بلعبة الذهاب لمحلات الألبسة الفاخرة طواحين الجوع التي عصفت بحياة مثقفي الخارج  ابان تلك الحقبة، زد على ذلك فان كاميرا النص المحمولة ستتجول مع السارد (محسن الرملي) في امكنته  المغلقة، كما تتجول في الأمكنة  المفتوحة التي يسميها بأسمائها ويعرفها كل عراقي خرج من العراق هربا من الموت والجوع ابان الحصار وبعد محنة غزو الكويت.

     اما الخيط الثاني من الرواية فتنسجه المعشوقة الغامضة (هيام) التي اكتشفها البطل الرئيسي للرواية (محسن الرملي) بالصدفة المحضة حين انشا حسابا الكترونيا لشقيقه حسن مطلك وأخطأ صدفة في كلمة المرور ليجد نفسه امام فيض رسائل لمعشوقة حسن مطلك وعاشقته موجهة لشخصه مباشرة فقد كانت هيام تعنيه هو بدون تسمية وتطلق عليه الاسم نفسه.. فهي معشوقة تبقى بلا ملامح واضحة على مدار الرواية التي تنشطر بين الـ(هي/ هيام)  والـ(أنا/ محسن الرملي)  وتبقى هيام في رسائلها الالكترونية (الايميلات) تدور في مدار علاقتها بزوجها وأولادها فضلا عنى طفولتها وعلاقاتها العاطفية  خلال المرحلة الجامعية ،زد على ذلك ان المتخيل السردي يعكس بجرأة ولع هيام بالشخصية الثانوية (بشعة) حد الوقوع في شرك الغواية الجسدية مع "بشعة" الشخصية القروية المفتونة بالأجساد الانثوية، زد على ذلك ان المتخيل السردي يهرب في حقائبه  كل ما يخص العراق من فلكلور وطقوس قروية والمدينية ليغمرك بفطرة الأرض ونداوتها كما ينقلك الى تفاصيل  المنظومة الاجتماعية الابوية من جانب ومن جانب اخر المنظومة الحزبية التي تحكم سيطرتها على هيام واسرتها ، اما التواصل النفسي بين هيام (المعشوقة المتخيلة) والبطل الرئيس للرواية (محسن الرملي) فبقي مبتورا وغير قابل للتحقق  خلال مجريات الاحداث التي عصفت بهما وفي سياقات مختلفة تماما لذلك يجد افق التلقي انه امام نصين روائيين منفصلين عمد الروائي الى اقحام هيام وبوحها المتصل لإخراج النص الأصل من سيريته لتكون الرواية نصا يواشج بين السيري والروائي، بمعنى لو اقتطعنا مسرودات هيام وبوحها المتصل عبر ايميلاتها من النص الروائي لما اثر بل ربما لكان نصا سيريا بامتياز لكن الوعي الجمالي شاء ان يفتح من خلال ايميلات هيام نافذة اخرى على حياة حسن مطلك وعلى عراقيي الداخل ويومياتهم لتوثق تلك الايميلات حياة العراقيين تحت براثن الموت والرعب والبطش الحزب الأوحد. الا ان جنوح المتخيل الروائي صوب احتمالية اللقاء بين هيام (المتخيلة التي تقيم في إسبانيا بسبب الظرف الطاحن في العراق) وبين الشخصية الواقعية (محسن الرملي الذي سيسافر الى إسبانيا بسبب قبوله في الدراسات العليا هنا وهو تطابق واضح مع سيرة المؤلف) وهو لقاء ارهصت به الاستهلالة اذ ورد: (وجئت الى اسبانيا بحثا عن المرأة التي كتبته... انها امرأة تبحث عن الحب وانا ابحث عنها، ص ١١) منح الرواية نهاية مفتوحة، تاركةً المجال أمام التلقي ليطرح تساؤلات حول مصير البطل، وحول جدوى الحب والمنفى؟

    خلاصة القول، فقد نجح المتخيل السردي في ان يجعل من رواية (ذئبة الحب والكتب) شهادة أدبية تتجاوز حدود السيرة الذاتية لتصبح وثيقة لحياة المثقف المنفي في داخل العراق متمثلا بحسن مطلك الذي بقي طي ايميلات هيام وخارجه متمثلا بمحسن الرملي (الشخصية الرئيسية/ المؤلف) خلال حقبة معقدة في تاريخ العراق الحديث، زد على ذلك ان المواشجة بين السيرة الذاتية والخيال بطريقة فتحت افقا من التساؤلات منها: هل كانت الرواية وسيلة للبوح والتطهر من عقابيل الماضي؟ أم صرخة احتجاج بوجه القرارات السياسية التي شظّت حياة الانسان العراقي فبقي معلقا في اللامكان؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(*): https://www.youtube.com/watch?v=wpSDd285UiU

دكتورة وجدان الصائغ ودكتور محسن الرملي 2023 مدريد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نشرت في مجلة (نزوى)، العدد 123 مسقط 2025م

https://www.nizwa.om/

الخميس، 31 يوليو 2025

قصص الرملي / آخر القرويين / صحافة

 

صحافة

آخر القرويين

قصص

محسن الرملي

بعض صفحات وروابط ما نشر من أخبار عن صدور، المجموعة القصصية الجديدة لـ محسن الرملي: آخر القرويين

 

*في صحيفة (المدى)، العدد 5942 بتاريخ 14 تموز 2025م 

https://almadapaper.net/file-sections/

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*في موقع: ضفة ثالثة

آخر القرويين.. لمحسن الرملي 

صدرت حديثًا عن دار المدى المجموعة القصصية "آخِر القَروِيِّين" وهي الخامسة للكاتب العراقي محسن الرملي الذي حظيت تجربته القصصية باهتمام نقّاد قدّموا عنها دراسات أكاديمية بأكثر من لغة.

وكان آخر ما صدر للرملي مجلد يضم مجموعاته القصصية عن دار المدى، أيضًا، بعنوان "تحفة السهران".

وكتب الروائي علي بدر عن المجلد:
"هذه القصص هي واحدة من أبرز ما أنتجه السرد العراقي، لغة وأسلوبًا وخيالًا، لوهلة كنت شككت أن يتمكن أحد العراقيين من خلق استمرار ناضج لما أنتجه الأدب العراقي من قصة قصيرة، منذ فؤاد التكرلي، ومرورًا بمحمد خضير، الذي عدّه النقاد قمة ما أنتج في هذا الجنس أو النوع، لكن المفاجأة الحقيقية مع محسن الرملي هي قدرته على خلق عوالم من الطرف القصي للأدب العراقي، الذي كان مدنيًا بمجمله. يقودنا الرملي إلى ريف قريب منا ولا نعرفه، بعبقرية لافتة يكتب عن ريفه البعيد، القصي النائي، وبخليط حقيقي، كأنه مزيج بين إيتماتوف، وشولوخوف، ولكن بأسلوب محلي كامل ينتمي إلى الشمال العربي من العراق، في قرية محصورة بين النهر وجبل مكحول، ريف فقير باقتصاده وغني بأساطيره وحكاياته.
"يرسم محسن الرملي بعفوية تامة التحولات السياسية والاجتماعية لهذا الريف، ويتتبع بصورة ذكية، غير محسوسة، أثر السلطة التي تتكون في البعيد، على أقصى الخريطة في هذا الريف الذي يبدو منفيًا، لكنه أقرب إلينا من نبضنا.

"إن قراءة محسن الرملي متعة حقيقية ومعرفة حقيقية وفائدة من هذا الأدب".

https://diffah.alaraby.co.uk/diffah//books/2025/6/11/%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*في صحيفة: الحياة الجديدة 

https://www.alhaya.ps/ar/Article/167336/%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D9%84%D9%8A

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*في شبكة 964 

رند علي – دار المدى:

من بين أكثر الكتب التي حظيت بإقبال خلال هذه الفترة، مجموعة قصصية بعنوان “آخر القرويين” للدكتور محسن الرملي، وتتألف كل قصة تقريباً من صفحة أو صفحتين، وهي قصص سلسة جداً من حيث البناء، ومغزاها عميق، وتحمل معانٍ وجدانية رائعة تتحدث عن بساطة الحياة في القرية وجمالها

https://964media.com/557606/

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*في صفحات: كوب شاي

آخر القرويين.. مجموعة قصصية جديدة للكاتب محسن الرملي

أخبار ثقافية - كوب شاي
📌 صدر اليوم الاثنين، 14 أبريل، عن دار المدى، الكتاب الجديد للكاتب محسن الرملي: “آخر القرويين”، وهو مجموعة قصصية باللغة العربية تحمل في طياتها أصواتًا منسية ونبضات ريفية تنتمي إلى عمق الذاكرة العراقية.
📌 يتصدر الغلاف الأول لوحة فنية أبدعها خصيصًا الفنان سيف مطر، بينما يزين الغلاف الأخير نص كتب خصيصًا لهذه المجموعة من قبل الروائي العراقي المعروف علي بدر، في إشارة إلى تلاقي الرؤى الإبداعية بين كُتّاب الجيل الواحد.
📌وتأتي “آخر القرويين” لتضيف حلقة جديدة في مشروع الرملي الأدبي الذي لطالما اشتبك مع الذاكرة والمكان والهوية، وتُعَدّ بمثابة مرآة فنية تعكس واقعًا عراقيًا غائبًا أو مغيَّبًا عن السرد الحديث.
من هو محسن الرملي؟
📌 كاتب وشاعر وأكاديمي ومترجم عراقي. وُلد عام 1967 في قرية سديرة، التابعة لقضاء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين، شمال العراق. يقيم في إسبانيا منذ عام 1995، حيث نال شهادة الدكتوراه بامتياز في الفلسفة والآداب من جامعة مدريد، مع درجة الشرف.
📌نشر العشرات من المقالات والمواد الأدبية في الصحافة العربية والإسبانية واللاتينية، كما ترجم العديد من الأعمال الأدبية بين اللغتين.
📌 له أكثر من عشرين إصدارًا في القصة القصيرة، الشعر، المسرح، الرواية، والترجمة.
📌تُرجمت بعض أعماله إلى لغات عدة، وشارك في مهرجانات ومؤتمرات أدبية حول العالم.

https://www.facebook.com/photo/?fbid=1262315702563019&set=a.533596615434935

https://www.instagram.com/p/DId_NNuC0PP/

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*للحصول عليها، من: نيل وفرات 

https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb415103-414894&search=books